كثيرًا ما يجول في خاطرنا سؤال عن القاسم المشترك بين كل الناجحين. هل للنجاح وصفة يمكن اتباعها؟ هل طبق جميع الناجحون مبادئ وقوانين معينة؟ هل هناك مفتاح ذهبي يمتلكه الناجحون؟ لعل القاسم المشترك بين الناجحين هو الطريقة التي يفكرون بها. فطريقة التفكير هي السمة التي تميز الناجحين عن غيرهم. ولكن يبدو ذلك محبطًا للغاية، أليس كذلك؟
قد يتوهم البعض أن هناك أناساََ ناجحون بالفطرة ولديهم طريقة التفكير التي تؤهلهم للنجاح، بينما وُلد غيرهم بعيب يمنعهم من امتلاك هذه الميزة! ولكن الخبر السار هو أن الطريقة التي يفكر بها الناجحون يمكن اكتسابها؛ فإذا غيرت طريقة تفكيرك يمكنك أن تغير حياتك للأفضل.
لماذا تحتاج إلى تغيير طريقة تفكيرك؟
نستمع دوما إلى عبارات حماسية تطالبنا بتغيير طريقة تفكيرنا، ولكن في كل مرة يظل هناك تساؤل يطارد أذهاننا، لماذا يؤكدون في كل مرة على أهمية تغيير طريقة تفكيرنا؟ أليست مبالغة؟ أتوقع أنك ستدرك أهمية هذه الخطوة عندما تقرأ ما قاله أودلف هتلر الحاكم النازي متفاخرًا:
من حسن حظ الحكام أن الناس لا يفكرون.
يمكنك الآن بشكل مبسط إدراك أن أولئك الذين يمتلكون عملية التفكير السليم لا يخضعون لسلطة الغير، كما يمكنهم إدارة حياتهم وربما حياة الأخرين بمنتهى الكفاءة والنجاح.
يمكننا القول أن المفكرون الأكفاء ناجحون. ولكن ليس كل شخص يفكر هو مفكر ناجح، وإنما هي طريقة التفكير نفسها. ولذلك عليك أن تسعى إلى تطوير طريقة تفكيرك لينعكس ذلك على واقعك وحياتك.
كيف تطور تفكيرك؟
يمكننا أن نحكم بتطور شيء ما بقياس ما إذا كان يتغير بشكل أفضل عن السابق أم لا. في هذه الحالة فإنه يتطور. هذا هو الحال بالنسبة للتفكير أيضًا؛ فإذا وجدت تفكيرك يتغير اليوم عن الأمس بشكل أفضل فأنت في طريقك السليم نحو التفكير السليم الذي بدوره يقودك إلى النجاح. وفي رحلتي للإجابة على هذا السؤال قرأت كتاب (كيف يفكر الناجحون) How Successful People Think ل John C Maxwell (جون ماكسويل)، وهو خبير ومتحدث ومؤلف معروف عالميا، والذي دون بعض النقاط التي تساعد في عملية مستمرة من شأنها تحسين وتطوير طريقة تفكير الفرد، و سأسرد لكم أهمها:
1- القراءة – المطالعة – الاستماع – المشاهدة
هل صادفت يومًا مفكر لا يقرأ؟ لا يطالع؟ لا يستمع إلى المحاضرات؟ لا يشاهد ما يفيده خلال يومه؟ من المؤكد أن الإجابة ستكون لا. اذًا فأنت تخمن الان ما سأكتب. نعم، تخمينك في محله. إن المفكرون الأكفاء يمهدون الطريق أمام تدفق الأفكار، فدائمًا يبحثون عن الأشياء التي تحفز بدء عملية التفكير لديهم، وذلك لأنهم يؤمنون دوما أن المدخلات تؤثر بشكل واضح على المخرجات.
ومما لا شك فيه أننا فقدنا جزء كبير من شغف القراءة وذلك لسهولة تواجد المحتويات المكتوبة بشكل مرئي أو مسموع أكثر سرعة وجاذبية من قبل. حسنا، يمكنك مشاهدة أو سماع أي محتوى يروق لك أو حضور محاضرات. لا بأس بذلك طالما تجني بعض المعلومات والأفكار التي سوف تمهد طريقك للتفكير والابداع. فالقراءة والمطالعة والاستماع والمشاهدة هم بوابات تطوير عملية تفكير سليمة نحو نجاح مبهر.
2- اختر من تقض أوقاتك معهم بعناية
يقول سليمان الحكيم:
كما يصقل الحديد الحديد، يصقل الإنسان صاحبه
برغم إن لدينا جميعاََ أصدقاء ومعارف نسعد بقضاء أوقاتنا معهم والتونس بوجودهم، وبالرغم من أن الانسان بطبيعة الحال يحب الراحة والجلوس خالي الذهن وبدون تفكير، إلا أننا يجب أن نلتمس وجود أشخاص تلهمنا بأفكارهم وأفعالهم حينما نكون بمعيتهم. إن وجود أشخاص تسعى على الدوام إلى التعلم وتطوير شخصياتهم في محيطك يساهم بشكل كبير في صقل طريقة تفكيرك وتطويرها.
فإذا أردت أن تُكون فكرًا ناجحًا ذا رؤية ثاقبة فاقترب من أصحاب الرؤى الثاقبة. لذلك يجب عليك قضاء وقتك بصحبة المفكرين الناجحين في حياتهم ولو حتى هذا النجاح شخصي وبسيط. كما أنه يوصى بتجنب الأشخاص ذات التأثير السلبي المحبط من حولك.
3- التفكير ليس سهلا
أنت تقولين ذلك بنفسك! هل تقرين بصعوبة التفكير ومع ذلك تنصحين به؟ نعم التفكير مهارة عليا وليست سهلة على الإطلاق لذلك عندما يتباهى شخص بأنه يتكلم بدون تفكير، توقع أن ما يقوله كلام فارغ بلا أي قيمة. أولئك الذين يظنون أن التفكير سهلًا هم أناس لم يعتادوا التفكير قط. ذكر Albert Einstein أحد أفضل المفكرين على مر التاريخ ذات مرة أن:
التفكير عملية شاقة؛ لهذا لا يمارسه سوى القليل.
فكل ما ذُكر في هذا المقال يوجهك نحو عملية التفكير لتكون ضمن عدد قليل ممن يفكرون قبل الإقدام على عمل أي شيء لذلك يضعون الخطط المناسبة ومن ثم ينجحون بجدارة. اعلم عزيزي أن الأفكار العظيمة قلما تنبع من العدم ولا يتغير التفكير من تلقاء نفسه. ولكن إذا أردت أن تحسن من طريقة تفكيرك فعليك أن تجتهد من أجل ذلك فهو أمر شاق، ولكن ليس بمستحيل خاصة مع التدريب. ولكن طالما أن الحصول على الأفكار الرائعة ليس سهلًا، فكيف يمكننا فعل ذلك؟ هذا ما يقودنا بدوره إلى النقطة التالية.
4- مارس التفكير عمدًا
هل تذهب الجيم في كل مرة برغبتك؟ هل تقوم بتسليم المهام الموكلة إليك في العمل لأنك أردت ذلك فعلًا في كل مرة؟ هل يقوم الأطفال بعمل الواجب لأنهم يشعرون بالرغبة في ذلك حقا؟ كم مرة سمعت من صديق لك أو ربما رددت أنت بنفسك تلك العبارة: أظن أني ليس لدي القدرة على التفكير في الوقت الحالي؟
هذا ما يظل البعض يردده في محاولة لترسيخ معتقد شائع وهو أن الأفكار الجيدة تأتي فقط وليدة اللحظة، وأن ليس علينا فعل أي شيء من شأنه تحفيز الأفكار. يؤسفني، بل في واقع الأمر هو يسعدني أن أصارحك بأن هذا جانب من التفكير الخاطئ الذي يجب أن يتم نسفه. إن عملية التفكير لا بد أن تُمارس عمدًا. تذكر دائمًا أن التفكير يأتي بالتدريب في المقام الأول. إذا انتظر الإنسان أن يشعر بالرغبة في عمل شيء، فإنه غالبًا لن ينجزه مطلقًا.
لذلك لا يمكنك الانتظار حتى تشعر بالرغبة في التفكير. خصص وقتًا لممارسة عملية التفكير فحسب. ضع برنامجًا يناسبك وخطة تتبعها وخذ معك ورقة وقلم واحرص على تدوين أفكارك كتابةً، فهكذا يفعل الناجحون أيضًا. ويمكنك قراءة المزيد قوة التفكير عمداََ و المرفق بمقطع مرئي.
5- اكتب أفكارك
عظيم! أرى تلك المفكرة الصغيرة التي تحملها بعد قراءتك النقطة الرابعة. أقدر لك أيضًا محاولتك في التفكير على الرغم من أنك لا ترغب في ذلك، على الأقل في الوقت الحالي، ولكن جرب. لن تخسر شيئَا. ربما تريد أن تسأل: لماذا أكتب؟ أليس كافيًا أن أفكر؟ لماذا علي أن أدون أفكاري؟ يقول الخبير في تطوير وتنظيم الإنتاجية الشخصية؛ ديفيد آلان David Allen:
مهمة عقولنا هي امتلاك الأفكار وليس تخزينها
كما تُظهر الأبحاث أن تدوين الأشياء التي تحتاج إليها، يمكن أن تهدئ عقلك وتساعدك على الاسترخاء، فعندما لا يكون عقلك مشغولاً في تذكر كل شيء، يمكنه معالجة أي شيء بشكل أفضل." القيام بتدوين الأفكار يترك لعقلك التفكير بالأمور الأكثر أهمية. إن كتابة الأفكار وتدوينها أيضًا يخضعها لفحص دقيق يجعلها قابلة لإعادة الصياغة ومعرفة جودة الفكرة من عدمها. ففي أوقات كثيرة نجد الفكرة التي تبدو رائعة ليلًا سخيفة نهارًا. فإعادة صياغة الفكرة كتابًة يجعلك تعرف إمكانياتك وتحدد السبل التي ستقودك إلى النجاح الذي تريد.
ولعلنا يجب أن نذكر هنا أن تدوين الملاحظات والأفكار الصغيرة هي عادة شائعة يستخدمها أكثر الناس نجاحًا في العالم. ولنا في بيل جيتس Bill Gates مثال. يعد جيتس من أبرز الحريصين على تدوين الملاحظات والأفكار خاصة قبل اتخاذ أي قرار حتى ولو صغير. وفي الفيلم الوثائقي داخل عقل بيل-فك شفرة بيل غيتس"Inside Bill’s Brain: Decodin Bill Gates عن حياة بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت، والذي تناول جانب من حياة بيل جيتس مع زوجته ميليندا، قالت:
كان عليه أن يتخذ قرار الزواج، في يوم ما دخلت إلى غرفته فوجدته يكتب قائمة بإيجابيات وسلبيات الزواج.
واتخذ قراره وتزوج بعمر 38 وكانت ميليندا 29 عاماً. ربما لو كتب المقدمون على الزواج قائمة بهذا الشكل لما تزوج نصفهم ولقلت نسبة الطلاق بالتبعية، فالتخطيط الجيد يقلل احتمالات الفشل.
6- احذر من انتهاء صلاحية أفكارك
يقول Eddie Rickenbacker، أحد الطيارين في الحرب العالمية الأولى:
بمقدوري أن أقدم وصفة للنجاح مكونة من بضع كلمات: أمعن النظر في الأمر، واستكمل ما بدأته.
ما فائدة قدر كبير مليء بما لذ وطاب إذا لم تقم بإنهاء الطبخ وتقديمه جاهزًا للأكل؟ تحرك وتصرف مع فكرتك ومكوناتها حتى تصبح جاهزة قبل أن تنتهي صلاحيتها. للأفكار فترة صلاحية تمامًا مثل منتجات العناية بالبشرة أو الطعام ولا بد أن يتصرف الانسان وفقًا لهذه الأفكار وقبل انتهاء صلاحيتها.
7- لا تكرر خطأ "اللمبي"
نعم أقصد "اللمبي" محمد سعد الممثل، ولكن ما هو الخطأ الذي ارتكبه محمد سعد؟ مما لا شك فيه أنه انسان ناجح قام بابتكار شخصية بأداء عبقري كوميدي مكنه في وقت قصير من شحذ ملايين من البشر لمشاهدة أفلامه وبلا توقف. ولكن ماذا حدث؟ أين هو الان؟ لا بد وأنك تعرف أن الكثير من الممثلين والمطربين والمشاهير لقوا نفس المصير، ولكن هل هو الحظ أم أن هناك سبب؟
السبب لخصه لنا John C Maxwell عندما قال أن فكرة واحدة جيدة لا تصنع حياة طيبة. غالبًا ينتهي الحال بالأشخاص الذين يمتلكون فكرة واحدة جيدة ويحاولون الاعتماد عليها طيلة حياتهم المهنية تعساء. فهم يمضون بقية عمرهم يناضلون من أجل حماية فكرتهم الوحيدة والترويج لها. إن النجاح حليف أولئك الذين لديهم منجم كبير من الذهب يستخرجون منه باستمرار وليس أولئك الذين يعثرون على قطعة ذهبية ويعتمدون عليها بقية حياتهم. لذلك احرص على تكرار عملية التفكير عمدًا المشار إليها سابقًا في كل مرة أردت استخراج فكرة جديدة ناجحة.
لعلك وبعد أن وصلت إلى نهاية المقال لازلت غير مقتنعًا بفعالية تلك الخطوات، أو ربما تفكر في أن هذه المبادئ النظرية عادة لا تجد نفعًا وأن كاتبها ما هو إلا كاتب محتوى غير مقتنع بما يقول من كلام إنشاء لن يجلب النجاح فور قراءته.
ولكن دعني أنقل لك ما قاله جاك كانفيلد Jack Canfield صاحب كتاب مبادئ النجاح The Success Principles، وهو مؤلف ومحرر لأكثر من 60 كتابًا من أكثر الكتب مبيعًا بأكثر من 80 مليون نسخة مطبوعة ب 39 لغة، وسُجل اسمه في Guinness Book لأن سبعة من كتبه أدرجت على قائمة صحيفة نييورك تايمز لأكثر الكتب مبيعًا.
دعني أكتفي بهذا القدر من التعريف وأنقل لك ما يقول هذا الشخص الناجح:
المبادئ ستفلح دائمًا، إذا طبقتها.
فالأمر متروك لك. وإذا سألت من أين أبدأ؟ يجيبك كانفيلد أيضاََ:
افعل ما تره صواباََ، الناس لاتنظر بعينك.
وفي النهاية لا يجب أن يكون التفكير عادة صعبة تشعر معها بالضجر. هيأ لنفسك كل السبل المريحة أثناء ممارسة عملية التفكير واجعل منها عادة مسلية وممتعة. استشعر سعادتك وانت تحصل على فكرة مبدعة وناجحة، وانت تحول الفكرة إلى مشروع ناجح، وأنت تحقق حلمك. وتذكر أن كل شيء في بدايته صعبًا، ولكن بالتعود يصبح الأمر يسير وستجد نفسك من تلقائياََ تنتج الأفكار المبهرة كالتي ينتجها الناجحون.


0 تعليقات