إن الجدال بشان المشكلات اليومية، والقتال من أجل الحصول على الأشياء بين الشريكين من أهم الطرق للحصول على جذب الانتباه والتواصل والاشباع العاطفي حيث أنه يمنح دفعات من الأدرينالين التي تُفرز في الجسم. بالطبع جرعات "الأدرينالين" ليست جيدة بقدر جرعات "الأندروفين" الذي يتم فرزه في مرحلة (الوقوع في الحب) في بداية العلاقات، ولكنه على الأقل يمنحهم شعور ما أفضل من شعور عدم التواصل أو عدم الانتباه.
تأتي مرحلة "الهدنة" بعد الصراعات والمشاكل العاطفية، والتي غالبًا ما يقوم فيها كل طرف بإغداق الحب على الطرف الأخر بشكل مؤقت.
بمرور الوقت يتعلم الطرفين، بدون وعي، أن الصراع هو طريق السعادة وبالتالي فهم يتسامحون مع الصراع وأحيانًا يسعون إليه. مما لا شك فيه أن هذه الدورة تسبب الادمان بدرجة كبيرة، لأنك تحمل المصنع الكيميائي للمخدر (عقلك) معك أينما كنت.
كيف يحدث أن أكون أحب شريكي جدًا في لحظة، وأكرهه جدًا في اللحظة التالية؟ أشعر بأنه حقًا توأم روحي ولكن نتشاجر باستمرار، فلماذا تحدث الصراعات في العلاقات العاطفية؟
تتحول معظم العلاقات العاطفية في النهاية إلي علاقات متأرجحة بين الحب والكره، فيمكن لمشاعر الحب أن تتحول إلي "دراما" (عداء- هجوم- تراجع إعجاب) بضغطة زر. يعد هذا الشعور من إزدواجية اللذة والألم طبيعي، ولكن غير الطبيعي أن يعتقد أحد الأطراف أو كلاهما أنه طالما تواجد الحب فإن الأمور ستكون على ما يرام.
في حقيقة الأمر هذا الاعتقاد لا يعمل، ولكن على العكس تمامًا فإن العلاقة ستستمر في التدهور حتى تؤثر على جوانب أخرى في حياتك العامة مثل (أن تصبح مشوش في العمل - عنيف مع أطفالك- تنسحب من أصدقائك أو أن تنعزل). سوف تستمر في هذه الدورة حتى تُخرب حياتك ومن ثم تنهار علاقتك بشريكك إلى الأبد ولا يعد لها أمل في الاصلاح.
إذا أردت أن توقف دورة الثمانية المجنونة "الدرامية"، أو التأرجح بين الحب والكره)، لا بد وأن تعرف لماذا تحدث من الأساس وكيف يمكنك احداث تغييرات قبل أن تتدمر العلاقة وتنتهي.
كيف تبدأ دورة "الثمانية المجنونة" أثناء حدوث المشاكل العاطفية، ولماذا نتعلق بها؟
.There's nothing like making up after a fight
هل سمعت من قبل هذه المقولة؟ هل وقعت أسير هذا الشعور من قبل؟ "لا شيء يضاهي شعور التصالح بعد الخصام". لماذا برأيك نشعر بهذا الشعور الرائع؟ ما هو السبب في أن فترة التصالح بعد الشجار تكون رائعة؟
يرجع ذلك إلى أنه عندما تتشاجر مع شريكك فإن الأدرينالين يندفع في جسدك بشدة استجابة للموقف، وبعد قليل تنتهي دفعة الأدرينالين من جسدك لتهدأ. إن الانسان بعد الهدوء من أي مخدر أو اندفاع هرموني عالي يُفرز في جسده، يكون شخص لين ومحب يميل إلى الاعتذار والتعامل برفق.
فيرجع كلا الشريكين يتعاملان برقة بالغة وحب شديد مما يزيد من إفراز المواد الكيميائية التي يفرزها المخ في (حالة الوقوع في الحب)، هذا ما يجعلك تشعر بالسعادة والنشوة مرة أخرى في هذه العلاقة العاطفية. ولكن لسوء الحظ هذه الفترة قصيرة جدًا، لأنه ومثل أي مخدر سوف يبدأ جسمك في البحث عن النشوة مرة أخرى (جرعة الأدرينالين)، خاصة إذا فترت العلاقة بينك وبين شريكك وصرت تبحث عن أسباب تجعل التواصل بينكما ممكنًا حتى لو عن طريق الشجار.
ومع مرور الوقت وزيادة الشجار، تفقد جرعة الأدرينالين تأثيرها وقوتها ونتيجة لذلك تضطر لزيادة الجرعة في المرة القادمة أو البحث عن بدائل لزيادة النشوة- بطريقة أبسط، كلما أصبحت الصراعات عادة روتينية لديك، كلما احتجت لكميات أكبر من الأدرينالين وسوف تلاحظ نفسك تتشاجر بشكل أكبر وبحدة أكثر - ذلك لأن فترة التصالح ستكون مهمة جدًا بالنسبة لك للشعور بالنشوة واللذة، كما لو كنت تكافأ نفسك في كل مرة تتشاجر فيها بفترة تصالح قصيرة الأمد (استراحة محارب) ثم تعود للشجار من جديد.
مراحل تكوين دورة "الثمانية المجنونة" منذ بداية العلاقة العاطفية:
المرحلة الأولى: عندما تقع في الحب وتعتقد أنك تحيا حياة جميلة. أنت تعيش مع شخص يهتم بك ويحتاج إليك وتبدو حياتك ذات مغزى كبير بالنسبة لك. تشعر بأنك شخص مميز لأن لديك حبيب يريدك ويلبي احتياجاتك لدرجة أنك تشعر أن العالم يتلاشى من حولك، وأنك أخيرًا وجدت الشخص المناسب الذي سينسيك أي عناء في حياتك فلن تشعر بأي ألم بعد الآن. على الأرجح تكون هذه الفترة في بداية العلاقة العاطفية (فترة الخطوبة أو بداية الزواج).
المرحلة الثانية: لا تزال تشعر بشعور رائع بصحبة حبيبك ولكن عندما يخفق لأي سبب من الأسباب في تلبية احتياجاتك أو توقعاتك، ينمو لديك شعور بالحاجة والتعلق المرضي بهذا الشريك وتحمله مسؤولية عدم اكتفائك وتعاستك. وهذه الفترة تكون بعد مرور فترة من الزواج أو الاستمرار في العلاقة العاطفية مدة تجاوزت (حلاوة البدايات).
المرحلة الثالثة: تكون فيها مدمن الطرف الأخر. أو بمعنى أدق (أنت مدمن لمشاعر النشوة التي تشعر بها بسبب التفاعلات الكيميائية والهرمونات التي تنتجها دماغك عندما تكون في حالة حب). فتشعر بأن حبيبك عبارة عن "مُخدر"، عندما يتواجد تصبح منتشيًا وسعيدًا، وإذا غاب تشعر بمشاعر الفقد والخوف من الهجر أو الرفض وما إلى ذلك من المشاعر السلبية.
المرحلة الرابعة: تقل جودة التخدير في هذا الوقت وتشعر بأنك تعاني، والألم الذي توقعت أنك لن تشعر به في وجود حبيبك يتسلل ليسكن روحك وفي هذه المرة أنت تعتقد أن شريكك هو السبب. يحدث ذلك غالبًا في العلاقات العاطفية التي تكتظ بالمشاكل والصراعات التي تتراكم ولا تجد من يحلها بشكل جذري.
المرحلة الخامسة: هنا تبدأ الدراما، أو بمعنى أخر، تبدأ دورة الثمانية المجنونة. قد يبدأ أحدكما أو كلاكما في الشعور بالغيرة، الاستياء، الإهانة من كل ما يقوله أو يفعله الطرف الأخر. قد تصبح متسلط أو مسيطر ويمكن أن تنسحب أو تنتقد أو تلوم. يمكن أيضًا أن تهاجم. وكل ذلك في محاولة منك لإجبار شريكك على العودة لتلبية احتياجاتك ومن هنا تبدأ دورة التأرجح بين الحب والكره، دورة "الثمانية المجنونة".
ولكن هنا أنت لست مدمن للحب كما حدث معك في بداية العلاقة ( مرحلة الوقوع في الحب)، ولكن أنت هنا مدمن لدورة الدراما، "الثمانية المجنونة" لأنها أيضًا تشعرك بأن لحياتك معنى.تُظهر الأبحاث أن العلاقات المليئة بالدراما يمكن أن تكون مسببة للإدمان أكثر من معظم المخدرات. يتوجب علينا دراسة وفهم العلاقات ذات السلاسل الدرامية إذا كنا نشعر أننا جزء من هذه السلاسل أو نعاني منها.
لماذا نميل إلى الدخول في دورة "الثمانية المجنونة" الدرامية في حياتنا؟
يرجع السبب في الدخول في مثل هذه الدورات الإدمانية مثل "دورة الثمانية المجنونة" إلى أننا نميل إلى الإنجذاب إلى الدراما في حياتنا كبشر بشكل تلقائي، حيث أننا مستعدون من الناحية البيولوجية للاستمتاع بحداثة الدراما وتحفيزها لمشاعرنا. فنحن نحب مشاهدة الأحداث الغامضة وهي تتكشف ويمكننا إدمانها بسهولة بدون أن نشعر.
ولكن للأسف يمكن لدورات الدراما في حياتنا أن تكون سامة ومؤذية للعلاقاتا العاطفية. فعلى سبيل المثال بمجرد وقوعنا في دورة "الثمانية المجنونة"، نفقد الفرص في التواصل الجيد وبالتبعية نجذب الأخرين معنا في مثل هذه الدورة ويبدأ الصراع من أجل الخروج من حفرة الدراما العميقة التي دخلنا بها.
والآن يتوجب عليك أن تعلم أن إيقاف مثل هذه الدورات ليس بالشيء اليسير. يتوجب عليك التعامل معها بحرص وبعزم مثلها مثل الإدمان تحتاج إلي الكثير من الوقت والجهد لاختراق الأنماط السلبية وتغييرها. إذا أردت البدء في إيقافها، يجب أن تدرك أن هناك بعض العلامات التحذيرية، فإذا وجدت نفسك متلبسًا بأحد هذه العلامات أثناء الشجار، فحاول قدر الإمكان ايقاف نفسك قبل أن تهاجمك جرعات الأدرينالين.
إذا وجدت نفسك تدخل في جدال ولا تعرف لماذا، أو وجدت شريكك يميل لبداية الشجار بدون سبب واضح أو مفهوم فهذه علامة الخضوع إلي نزعات إدمانية لدورة الثمانية المجنونة. هذا لا يعني أن العلاقة محكوم عليها بالفشل، ولكن لإصلاح العلاقة لا بد أن يكون الطرفان عازمان على بذل جهد واعي لوقف هذه الممارسات أو السلوكيات الإدمانية. يعد المفتاح الأساسي هنا هو التعرف على العلامات التحذيرية التي تؤدي إلى الشجارات قبل حدوثها.
ومن العلامات التحذيرية، التي تٌنبأ ببدء دورة "الثمانية المجنونة"، ما يلي:
1- تغييرات في لغة الجسد مثل (التراخي- التنفس السريع- التملل والحركة الكثيرة - سرعة الوتيرة)
2- تغييرات في الصوت/ اللهجة مثل (رفع الصوت- السلبية - اختصار الكلام- استخدام ألفاظ قاسية وغير معتاده)
3- التفسير السلبي لما يقوله الطرف الأخر وبشكل متكرر وغير مبرر
4- التشكيك في صحة ما يقوله الأخر
5- استحضار أفعال ومواقف وكلام من الماضي في المحادثة الحالية
6- استخدام مصطلحات تعميم مثل (انت دائمًا - أبدًا)
7- استخدام عبارات من هدفها جرح الطرف الأخر (بشرط أن تكون غير متوقعة)
إن الطريقة الوحيدة لإنشاء علاقات عاطفية مستنيرة/ صحية، لا يعاني فيها الطرفان من إدمان السلاسل الدرامية وما يشبهها مثل دورة "الثمانية المجنونة"، هي كسر الأنماط السلبية والتوقف عن تلبية احتياجاتنا عن طريق الدراما (سواء كان عن طريق الشجار أو الحزن) ولكن كيف نفعل ذلك؟ خطوات الاقلاع عن إدمان "دورات الدراما" مثل دورة "الثمانية المجنونة" في العلاقات العاطفية:
الخطوة الأولى: هي الوعي بنفسك وبشريكك، مع العلم أن أهم شخص في هذه المعادلة هو أنت. هذا يعني أنك لا بد وأن تعرف ما هي المعتقدات المقيدة لذاتك وماهي أنماط التفكير الخاطئة التي تسبب لك متاعب في حياتك بشكل عام. هناك بعض العلامات والأسئلة التي يجب أن تتمعن بها لتدرك هذه الأنماط، كأن تسأل: هل تميل أنت وشريكك إلى الشجار دائمًا؟ ما هي الخلافات التي تتكرر بينكم؟ هل تميل إلى "المصالحة بعد الشجار" كوسيلة لإنهاء المشكلة بدون حل؟ هل يسبب ذلك النشوة لك أو لشريكك؟ هل تميل إلى دخول في وضع منعزل وحزين "دراما" عند الشجار أو عندما تفقد التواصل بينك وبين شريكك؟ الخطوة الثانية: تتمثل هذه الخطوة في وضع استراتيجية لقطع هذه الدورة، الثمانية المجنونة". ونقصد بقطع الدورة هنا، القيام برد فعل مختلف في أوقات الشجار والصراعات. إن مشاعر الحزن والغضب هي ردود أفعال طبيعية ومعقولة في بعض مواقف حياتنا، ولكننا في بعض الأحيان نبالغ فيها ونستمر بغرض الاستجابة إلى رغباتنا (التواصل -جذب الانتباه).
عندما تدرك ما تشعر به جيدًا يمكنك إيجاد طرق أكثر فعالية للتعامل مع مشاعرك. وعندما تلاحظ أنك تشعر بالسوء لأنك تسعى إلى التواصل مع شريكك، يمكنك وقتها إيجاد حلول أكثر إنتاجية للتواصل، ومن هذه الطرق:
1- تحكم في مشاعرك: إن شعورك بأنك تتحكم في مشاعرك يجعلك تقدم أفضل ما لديك في العلاقة العاطفية. يجب أن تأخذ في اعتبارك أنه لا أحد يجيد التواصل وهو غاضب، فإذا كنت تسعى للتواصل مع شريكك عن طريق الصر اخ والغضب والشجار، فتوقع أن تسوء قنوات الاتصال بينكم وربما تنقطع تمامًا.
إن أفضل طريقة لتغير مشاعرك السلبية تجاه شريكك، هو تغير حالتك الجسدية: يمكنك الوقوف إذا كنت جالسًا - التمشي - التمدد- ممارسة الرياضة- مشاهدة شىء مضحك على التلفاز - أو الذهاب إلى مشوار. خصص بعض الوقت لنفسك حتى تهدأ قبل أن تحاور شريكك بشأن الذي يثير غضبك.
2- في حال فشلت في التحكم في مشاعرك لأي سبب من الأسباب، ووجدت نفسك دخلت في دورة "الثمانية المجنونة"، افعل شيئ غريب لم تكن معتاد عليه من قبل، إذ أن تغير الاستجابة المعتادة من شأنه تغير مجرى الصراعات وغالبًا إلى طرق أفضل. فعلى سبيل المثال: لو كانت طبيعتك أن تجادل، توقف عن الحديث وافعل شىء أخر بمفردك أو مع شريكك حتى تهدأ وتتغير حالتك المزاجية. عندما ترى النمط القديم لكل مشكلة يبدأ، اكسره بتغير الروتين.
3- قم بمعالجة سبب الشعور (الحزن أو الغضب) بشكل عقلاني وبطريقة هادئة بدلًا من الاستسلام للطرق التقليدية اللاشعورية، فمثلا إذا كنت تشعر بالغضب من شريكك بسبب موقف ما، فبدلًا من أن تنتظر أن يلاحظ هو (وقد لا يلاحظ ولا يأتي معتذرًا فتغضب أكثر)، يمكنك التواصل معه والتحدث مباشرة بشأن ما فعل. والاهتمام بيتطلب عادي.
الخطوة الثالثة: وتعد الخطوة الثالثة لقطع دورة الثمانية المجنونة هي أن يكون لديك طرق أخرى لتلبية احتياجاتك من التواصل والحب والاهتمام. كلما زادت تلبية احتياجاتك بشكل صحيح، كلما قل دفعك بدون وعي للبحث عن حلول بشكل جنوني. بمجرد أن يرى العقل اللاواعي أن هناك بديلًا أفضل وحلولًا أكثر فعالية سيقوم بممارسة تلك البدائل باستمرار حتى يصبح الأمر سهلًا.
عندما يتذكر الشركاء أن الغرض من العلاقة هو تلبية احتياجاتهم من الحب والاهتمام والمشاعر الأخرى، يمكنهم انشاء أنماط جديدة بناء على هدف مشترك. والأسئلة التالية تساعدك في تحديد استراتيجيات بديلة لخلق الحب والتواصل المشترك فيما بينكم:
- ما الأشياء التي تستمتع أنت وشريكك بفعلها معًا؟
- ما الأشياء التي يمكنك القيام بها لتذكر شريكك أنكما أولوية في حياة بعضكم البعض؟
- ما هي الطرق التي يمكنك من خلالها التعبير عن الحب لشريكك؟ وما هي الطرق التي تفضل أن يعبر بها شريكك عن حبه لك؟ راجع مقال لغات الحب الخمس للحصول على أدلة مفيدة.
وفي النهاية، إن رغبتك في أن تعيش علاقة عاطفية جيدة بدون مشاكل وصراعات هو قرار شخصي يجب أن تكون أول من يتخذه. لا تلق باللوم على شريكك وبادر بتحمل المسؤولية. وحيث أنك الآن تعرف كثيرًا عن دورة الثمانية المجنونة، فقم بتعليم شريكك عنها وحاول التدرب على وقف مثل هذا الدورات قبل أن تبدأ، وتذكر أن الأمر لا يفلح بشخص واحد، فالعلاقات العاطفية تحتاج دومًا إلى الطرفين لتزدهر.
0 تعليقات