8 معتقدات خاطئة يقتنع بها الآباء في تربية الأطفال

تربية-أطفال-أباء-معتقدات-غيرصحيحة

يلجأ الانسان غالبًا إلى استخدام بعض المعتقدات التي تبدو منطقية في محاولة لإثبات وجهة نظره إذا ما تناقش في موضوع ما. تبدو هذه المغالطات منطقية على السطح ولكنها في الواقع غير صحية وتستند إلى منطق ضعيف. مما لا شك فيه أنه لا يوجد أثمن من أبناءنا حتى نتأكد ونتحرى من أفكارنا ومعتقداتنا في التربية من أجلهم.  هناك العديد من المعتقدات الخاطئة والمغالطات حول الأبوة والأمومة والتي وجب تفنيدها لأنها أثبتت أنها غير صحيحة في التربية. 

يقول جيمس هيلمان:

 "إن الأداة  الأساسية لتحديد مصائرنا هو سلوك أباءنا" 

لما كان سلوك الأباء هو أكبر ركيزة أساسية تُكون شخصية الطفل وتتحكم في مصيره، فلا بد من التأكد من أفكارنا ومعتقداتنا في التربية قبل الشروع في تطبيقها. أصبح الأمر في غاية السهولة مع وجود السوشيال ميديا وما تحتوي عليه من مقالات ومقاطع مصورة ومقاطع صوتية تهتم بتثقيف الأباء والأمهات بشكل توعوي هادف يساعد في التربية.

دعونا نسرد لكم أهم المعتقدات الغير صحيحة التي يقتنع بها الأباء في التربية والتي تؤدي إلى نتائج سلبية:


المعتقد الأول: الأباء الجيدون يضعون احتياجات أبناءهم في المقام الأول

لقد تعمدت أن أضع هذا المعتقد في بداية المعتقدات الغير صحيحة وذلك لأنني طالما تبنيته لفترات طويلة إلى أن أثبت فشله بالتجربة.  والحقيقة أنني اكتشفت أنك إذا لم تضع احتياجاتك في المقام الأول فسوف تُستفذ تمامًا ولن تكون لديك الطاقة لتمارس مهامك كأب أو كأم بشكل جيد حتى ولو حاولت. عندما تفهم أهمية تلبية احتياجاتك وتكون واضح بشأن ما تريده لنفسك، ستكون مدفوعًا لتكون أفضل في تربية أطفالك.

إن محاولة إسعاد نفسك وتلبية رغباتها بشكل مجدول ومدروس سوف يغير في الطريقة التي تشعر بها تجاه بأطفالك وكيف تستجيب لهم. إن ذلك يساعدك أيضًا في تحسين علاقتك بشريكك والتي لها دور كبير في تربية الأطفال وتنعكس عليهم. تٌظهر الأبحاث أن الأباء الذين يستثمرون في أنفسهم ، وبعضهم البعض وفي علاقتهم لن يزدهروا فحسب ، بل سيكون لديهم أيضًا أطفالًا أكثر صحة وسعادة.


المعتقد الثاني:  فقدان أعصابك أمام الأطفال ضار - يجب أن تٌظهر النسخة المثالية منك

إذا كنت متأثر بالمقاطع المصورة على مواقع التواصل الإجتماعي والتي تٌبرز العلاقات الصحية بين الأباء والأطفال على أنها علاقة مثالية لا يٌستثار فيها الأب ولا يغضب ولا يفقد أعصابه في لحظات عدة، فدعني أقول لك أن هذه علاقات لا وجود لها، وأن ما تراه هو مونتاج جيد لحياة غير كاملة وغير مثالية كما تراها. فهون عليك.

 إذا فقدت أعصابك ذات مرة وانتقدت طفلك بشدة أو ربما أمسكت به بقوة لأنك شعرت أنك غير قادر على السيطرة وشعرت بعدها بالندم أو أنك أب أو أم سيئة، أنت لست كذلك. وقد فعلنا جميعًا هذه الأشياء مرة أو أكثر في حياتنا على الأقل، وحتى أنا.

نشعر جميعًا أننا لسنا بخير في وقت ما في حياتنا، وسنكون النسخة الأسوأ منا في مرحلة من مراحل حياتنا. والخبر السار هو أن هذا ما يحتاجه طفلك منك بالضبط.  إن الأطفال يتعلمون بالنمذجة أكثر مما يتعلمونه بالتلقين. يحتاج طفلك إلى أن يرى ويتعلم كيف يكون إنسانًا. يحتاج أن يرى منك نموذج لشخص يصيب ويخطىء، وإلا كيف تتوقع أن يتعلم طفلك تحمل المسؤولية وتصحيح أخطاءه إذا لم يراك تفعل ذلك أمامه؟

كل ما على الأباء فعله هو تصحيح أخطائهم بشكل ملحوظ أمام أطفالهم. تعلم أن تقل أشياء مثل: "أعلم أنني تحدثت بطريقة غير لائقة وارتفع صوتي" "ما كان ينبغي علي أن أجذبك بقوة وكان يتوجب على أن أتكلم معك بهدوء أكثر" "لقد أخطأت حينما انتقدت بهذه الحدة وكان ينبغي علي أن أقول وجهة نظري بطريقة أفضل". ما أن يراك الطفل تعترف بأخطائك وتحاول تصليحها يترسخ في ذهنه الصورة الطبييعية للانسان الذي يمكن أن يرتكب الأخطاء ويصلحها.


المعتقد الثالث: نحن نتعلم الأبوة والأمومة بشكل فطري،  النوايا الحسنة وحبنا لأطفالنا كاف

كم مرة سمعت عن شخص يلتحق بدورات في تربية الأطفال؟ كم مرة سمعت عن شخص مقبل على الزواج وكان من أبرز اهتماماته مشاهدة مقاطع توعوية عن تربية الأطفال؟ إنه لأمر محزن أن نرى في عصرنا الحالي أباء وأمهات يعتقدون أننا نتعلم تربية الأطفال بشكل فطري. ويؤسفني أن أخبرك أن نواياك الحسنة لن تساعدك في هذه المهمة بل يمكنها أحيانا التسبب في ضرر وأذى نفسي لأطفالك لن تتوقعه. 

إن هذا المعتقد الغير صحيح خطير للغاية، ذلك لأن التعامل مع الأطفال يحتاج إلى دراسة وخبرة وجاهزية لا يمتلكها الجميع ولا نحصل عليها بشكل فطري. فأنت لست مجهز بشكل طبيعي بالأدوات والمهارات العقلية اللازمة لتربية أطفالك. 

نحتاج جميعًا إلى التوجيه فيما يخص تربية أطفالنا، يمكننا قراءة الكتب أو العمل مع مدرب أو مشاهدة المقاطع التوعوية أو أخذ دورات. فإن الأبوة والأمومة الجيدة مثلها مثل اتقان أي رياضة أو مهارة أو هواية أو وظيفة جديدة، يجب أن نتعلمها بشكل صحيح.


المعتقد الرابع:  تهديد الطفل بالعقوبة في حالة الكذب تعلمه في النهاية أن يقول الحقيقة

هذا معتقد  غير صحيح، والحقيقة أن تطبيق هذا المعتقد يجعل الطفل يفكر بشكل أناني. أنت بذلك تعلمه  أن عاقبة قول الصدق هي العقوبة التي تنتظره في حال تم اكتشاف أمره، فسيكون شغله الشاغل هو إيجاد طرق لإخفاء الحقيقة حتى لو اضطر أن يورط معه أخرين، ولكن رغبته في الهروب من العقوبة ستكون أكبر من أي خطأ أخر يرتكبه. 

سيصبح الغرض من الكذب في هذه الحالة هو إرضاء الأباء وإبقائهم مخدوعين في حقيقة الطفل. وتعد أفضل طريقة لوقف الكذب عند الأطفال هي أن تقول (سأكون سعيدًا جدًا لو أعلمتني الحقيقة حتى لو كنت مخطىء)، في النهاية سيتعلم الطفل أن هناك سبب أخر لإخبارك بالحقيقة غير العقاب. ومع الوقت سوف يتخلص من عادة الكذب.

ولعل من أهم الأشياء التي يجب أخذها في الاعتبار في حال التعامل مع مشكلة الكذب هو عمر الطفل. فالكذب التخيلي يمكن تجاوزه مع طفل الرابعة بينما لا يمكن إغفاله أو تسميته كذب تخيلي مع طفل الثانية عشر. إن دراسة المرحلة العمرية لأطفالك شىء ضروري جدًا في التربية.


المعتقد الخامس:  المدح المستمر سيزيد من ثقة الطفل في نفسه

 إن إخبار الأباء للأطفال بأنهم رائعون وأذكياء، والثناء على كل فعل صغير يقومون به يجعلهم يشعرون بأن أي خطأ ولو صغير يقومون به يجعل منهم أشخاص حمقاء وغبية.  فيحاول الطفل بكل جهده تجنب الخوض في أي تجربة جديدة أو أي محاولة من شأنها أن تظهره بمظهر الفاشل الذي اخفق.
 كما أن هذا الاعتقاد يٌرسخ في ذهن الطفل رسالة مفادها أن الجهد لا يهم وأن ما يهم أن تكون ذكيًا ويتم مدحك دائمًا. لذلك من المنصوح به في تربية الأطفال أن نمدح المجهود المبذول بدلًا من مدح ذكاء الطفل أو الصفات التي لا سيطرة له عليها.


المعتقد السادس:  يمكنك معرفة الطفل الموهوب من عمر 5 سنوات

هذا المعتقد تحديدًا من أهم أسباب الشعور بالاخفاق والفشل لدى الأباء والأمهات وهو غير صحيح بالمرة. فما أن يصل الطفل إلى سن السابعة ولم يظهر له موهبة يبدأ الأباء في التوتر والضغط على الطفل ليجرب عدة أشياء حتى يختار منهم واحدة. والحقيقة أننا نكون مدفوعون بخوف وثيق سببه هذا المعتقد، وهو أننا يجب أن نكتشف موهبة الطفل في سن الخامسة.

 وبالطبع الكثير من العلماء والموهوبون في أنحاء العالم الذين كانوا يوصمون بالفشل في سن صغيرة أكبر مثال على فشل ذلك المعتقد. أثبتت الدراسات أن من بين 100 طفل في الروضة تم تصنيفهم على أنهم موهوبون بناء على اختبارات الذكاء القياسية، يتم اعتبار 27 منهم فقط كموهوبون بحلول الصف الثالث. ولكن الأطفال العاديين الذين لم تظهر اختبارات ذكاءهم نتائج مذهله ولكن يعملون بجد تتغير نتائجهم للأفضل بحلول الصف الثالث.

فلا داعي لاستعجال النتائج والضغط على الأطفال في شتى المجالات حتى نأخذ نتيجة مبكرة. الأفضل هو تعليمهم كيف يعملون بجد وكيف يختارون الأنسب والأفضل لهم وسوف نندهش بالنتائج لاحقًا. 


المعتقد السابع: مشاهدة مقاطع الفيديو التعليمية مفيدة للأطفال

 في الحقيقة إن ذلك المعتقد غير صحيح وخاصة مع الأطفال قبل سن المدرسة. فكثير من الأباء يعتقدون أن مشاهدة مقطع عن المشاركة أو الحد من العنف قد يكون مجدي لتعليم الطفل المشاركة وتجنب العنف والتصرف بعدوانية.

 والحقيقة هي أن الأطفال قد لا يدركون العبرة والهدف في نهاية القصة ولا يربطون بينه وبين حياتهم الشخصية. يحتاج الطفل في سن مبكرة لمن يقوم بدور المرشد ليطرح أسئلة حول الفيديو الذي يشاهده لضمان إدراك الطفل للمفهوم الذي يحتوي عليه الفيديو.

إجعل مشاهدة طفلك مشاهدة تفاعلية أي ليست مشاهدة من طرف واحد. يمكن للوقت الذي يستغرقه طفلك أمام الشاشات أن يكون وقت مفيد جدًا ومساهم في تربية الطفل فقط إن حاولت جعل هذه المشاهدة تفاعلية، كأن تطرح الأسئلة وتعطي بعض الملحوظات وتقوم بشرح بعض الأشياء وعمل ربط بينها وبين واقع الطفل بطريقة مبسطة تناسب عمره والبيئة التي نشأ بها.


المعتقد الثامن: يجب ألا نتسامح مع التنمر والمضايقات

 مما لا شك فيه أن التنمر شيء صعب ويمكن أن تصل عاقبته إلى الموت أحيانًا كما شاهدنا مؤخرا في القنوات الإخبارية، ولكن يجب أن يعلم الأباء أن المضايقات العادية التي تشمل إهمال الطفل في منطقة الألعاب أو عدم السماح له بأخذ دور هي أمور عادية والتعامل معها على أنها تنمر هو غير صحيح وضار في تربية الأطفال. 

حتى وإن كانت غير مرضية ولكن هي جزء مهم من نمو الطفل وتطوره ذلك لأنها تعلمه كيف يتصرف في مواقف عدة، وكيف يطالب بحقوقه وكيف يتعامل مع المضايقات التي ليست بالضرورة تنمر ولكنها صراعات بين الأطفال.

على الأباء والأمهات معرفة أطفالهم معرفة جيدة بحيث يسهل عليهم فحص الشكوى وتبين ما إذا كان الأمر يحتاج إلى تدخل، كحالات التنمر أو هي مجرد أمر عادي يستطيع الطفل إدراكه وحله بنفسه. ذلك لأن كثرة التدخل لحل بعض المشكلات الصغيرة تؤثر سلبًا على شخصية الطفل وتجعله عرضه للتنمر من الأخرين.


في نهاية هذا المقال أؤكد لك أن كل شيء في الحياة يمكن إصلاحه، وإذا كنت لا تعلم أن هذه المعتقدات غير صحيحة قديمًا فأنت الأن تعلم ولديك فرصة جيدة لتحسين ممارساتك في تربية أطفالك. لا تدخر جهدًا في معرفة المعتقدات الصحيحة والغير صحيحة في تربية الأطفال لأن هذا هو الاستثمار الأمثل والذي ستجني ثماره لاحقًا.

0 تعليقات