مع انتشار مصطلحات "التربية الإيجابية" و "التربية المثالية" و غيرها من المصطلحات الفضفاضة، أصبح المربي يواجه ضغوطات تجعله يسيء فهم هذه المصطلحات وتجعله يشعر بأنه غير ناجح، خاصة وأنه يتكلم عنها الكثيرون ولكن لا يفسرها إلا قلة قليلة تفقد مصداقيتها بسبب التشدد وإدعاء المثالية المفرطة في تربية الأطفال.
يخبرنا الناس يوميًا عن التربية الإيجابية الناجحة وعن كيفية التعامل مع الطفل بليونة ومرونة بعضها مناسب وبعضها غير مناسب على الإطلاق، ويرجع ذلك لأن من يقدم النصائح في هذا المجال بعيد كل البعد عن التطبيق العملي. فإذا سألت أحدهم ما هي خبرتك مع الأطفال وما مدى النجاح الذي حققته في التربية، ستدهشك الإجابة عندما تسمع أن أول وآخر طفل قام بالتعامل معه هو "حمادة ابن الجيران" مثلًا.
لو لم تتعامل مع عشرات من الأطفال المختلفة، من بيئات مختلفة وسلوكيات مختلفة، وحالات مرضية مختلفة، لو لم تتعامل بشكل مكثف ومقرب مع أكثر من طفل في وقت واحد، لو لم تجلس بمفردك مع أكثر من طفل في وقت واحد، رجاءً لا تعطي النصائح النظرية المبنية على بعض النظريات التي يوجد غيرها مناف لها وأثبت صحته أكثر. فأنت قطعًا لم تجرب النجاح في التربية حتى تقدم نصائح عنه.
في البداية يجب أن نعرف أن التربية الإيجابية التي تدعو إلى المثالية المفرطة غير مرغوب فيها، بل إنه لا يوجد شيء اسمه "التربية المثالية"، حيث أنه لا بد وأن نكون أولًا أشخاص مثاليين حتى نصبح آباء وأمهات نتمتع بالمثالية. وحيث أن ذلك مستحيلًا، فلا بد أن نعتبر أمر المثالية في تربية الأطفال أيضًا ضربًا من الخيال.
لقد حظيت بسنوات خبرة طويلة في التعامل مع الأطفال بمختلف أعمارهم، وأعترف أن مهنة التدريس من أكثر المهن صعوبة ولكن ما تعلمته خلال سنوات عملي أثر على حياتي الشخصية كأم أيضًا وحقق لي النجاح في مجال التربية والعلاقات مع الأطفال بشكل كبير. فكوني معلمة يجعلني في هذا الموقع الذي يتيح لي مراقبة الأطفال وسلوكياتهم أكثر من آبائهم وأمهاتهم، بل أحيانًا أستطيع تشخيص بعض السلوكيات قبل اكتشافها من قبلهم.
تستطيع أن تلمس هذه السلوكيات بوضوح، حين تضع نفسك في موضع الحياد دون أن تكون مشدودًا بعاطفة قوية. هذه هي المشكلة الحقيقية، حين يواجه الآباء والأمهات بعض العراقيل في تربية أطفالهم، فتتحكم بهم العاطفة إلى حد يصبحون فيه عاجزين عن رؤية الصورة بحجمها الحقيقي. هذا ما تعلمته في مهنة التدريس، تعلمت أن أتراجع خطوة إلى الخلف حتى أرى الصورة بحجمها الطبيعي.
فمع النداء المستمر بعدم وضع ضوابط للطفل وعدم عقاب الطفل، إلا أن كل ما رأيته وتعلمته في حياتي "العملية" يقنعني بحاجة الطفل الملحة إلى حدود وقواعد أساسية يقف عندها، ولإرساء هذه الحدود والقواعد، لا بد من وجود عملية تأديب. والتأديب هنا لا يعني الضرب أو حتى التوبيخ، ولكن التأديب يعني إرساء القواعد والقوانين بعدل وحزم وصرامة وعدم التهاون لضمان نجاح عملية التربية.
قد يجد بعض الآباء أن هذه الطريقة شاقة بالنسبة لهم، أو أنهم يخشون فقدان محبة أطفالهم لهم. نعلم تمامًا أن التربية مسألة صعبة هذه الأيام في ظل التغيرات المتلاحقة في عالمنا، ولكن الأمر يستحق العناء. أصبحت ممارسة الأبوة والأمومة مسألة تنافسية، يعجز معها الشخص عن الاسترخاء واتباع فطرته في تربية أطفاله. بعض الناس يمارسون عملية التربية بيسر وفطرة دون الحاجة إلى تدريب أو إرشاد، بينما يحتاج البعض إلى فهم وتطبيق لممارسة الأمر بشكل صحيح.
وفي جميع الأحوال القرار يرجع لك، فإن تربية أطفالك مسألة اختيارية تمامًا، فكلما تعلمت كثيرًا وقرأت كثيرًا وتفاعلت مع الأخرين، كلما ازدادت ثقتك بنفسك وبطريقة تربيتك لأبنائك. ولكن هناك بعض الإرشادات العامة التي ربما تساعدك للنجاح في مهمتك:
"إذا كان في الإمكان أن ألخص طريقتي في النجاح في تربية الطفل، فإنني بكل تأكيد سألخصها في عشر قواعد مبنية على الملاحظة وليس على النظريات".
وأنا أتفق بشدة مع جو فروست حيث أنني قمت بتطبيق هذه القواعد على طلابي وعلى أبنائي في المنزل وبالفعل أثبتت فعاليتها. سأستعرض معكم هذه القواعد:
القواعد العشر الأساسية للنجاح في تربية الأطفال:
1- القاعدة الأولى: المدح والمكافأة:
سرعان ما يتبادر إلى ذهن الأباء والأمهات الحلوى والألعاب إذا ما ذكرنا "المدح والمكافأة"، ولكن المدهش في الموضوع أن الأطفال يٌقدرون التقدير المعنوي كما يقدرون الهدايا والمكافآت المادية وأحيانًا يٌقدرونها بشكل أكبر. لا تستصغر كلمات مثل "ممتاز - رائع - عبقري". لا تستهن بلصق النجوم على دفتر الطفل أو على يده. لا تعتبر أن رسم قلب للطالبة في كتابها سخافة. كل هذه الطرق ستنجح مع الأطفال بشكل غير متوقع.
إن أفضل وأثمن ما يمكنك به مكافأة الطفل، هو منحه الاهتمام وجعله يشعر بأنه مميز وأنك تراه حقًا. تقديم الهدايا باستمرار يمكنه أن يتحول في عيون الطفل إلى "رشوة" أو "ابتزاز"، ولكن يجب التنوع في المكافآت وطريقة منحها. تكمن أهمية هذه القاعدة في أنها تدعم السلوك الجيد للطفل وتحفزه إلى الأمام.
وتكمن صعوبة هذه القاعدة في كونها يجب أن تكون مستمرة وتكون منظمة ولها قواعد يٌمنح الطفل على أساسها المكافآت لضمان نجاحها. كما يجب أن تكون هذه القواعد والآلية موضحة ومعلنة للطفل من قبل. يستحسن استخدام بعض الجداول لضمان العدل والشفافية، ولوضوح التقدم أمام الطفل مما يزيد الحافز ويزيد من فرص النجاح.
2- القاعدة الثانية: الواقعية والتماسك
لعل هذه القاعدة تفسر القاعدة السابقة بشكل أوضح. فما أن أعددت قائمة بالقواعد المعينة التي سيتبعها الطفل ليحصل على المكافأة، لا بد وأن تكوني صارمة بشأن هذه القواعد وأن تحرصي أن لا يتم التهاون فيها بأي شكل من الأشكال، وهذا هو التماسك المقصود.
فعلى سبيل المثال: طلبت من طفلك أن يصلي الخمس فروض ويغسل أسنانه 3 مرات يوميًا لمدة أسبوع مقابل ساعة إضافية في نهاية الاسبوع يقضيها الطفل أمام الشاشات. إذا لم ينجح طفلك في تحقيق الهدف يجب أن لا تقومي بكسر القاعدة من أجله أو ربما لتحظي ببعض الهدوء. حينما تضعين قاعدة معينة، احذري أن تقومي بكسرها لأي سبب من الأسباب.
لا بد وأن تتأكدي أن لا أحد في المنزل سيقوم بكسر هذه القواعد، سواء والد الطفل، جده، جدته أو مربيته. يجب أن يكون الجميع متوافق على طريقة التربية وعلى علم بجميع المستجدات ولذلك اقترحت عليك أن يكون نظام المكافآت معلن أمام الطفل وأمام الجميع بحيث يتم تتبع التقدم والنجاح بكل سهولة وبيان استحقاق الطفل للمكافأة من عدمه.
تخيل نفسك تشارك في مسابقة يعرف الجميع قواعدها إلا أنت أو أن شخص ما يقوم بتغيير قوانين المسابقة باستمرار؟ هل ستتمكن من النجاح؟ كذلك الطفل، إذا لم تعلمه صراحة بالقوانين، سيصعب عليه الالتزام بها. وإذا ما وضعت قاعدة معينة، ثم لم تلتزم بها، فإنه بلا شك لن يأخذك على محمل الجد مرة أخرى. وإذا كانت قوانينك من المستحيل أن يتبعها الطفل، فأنت بذلك تخلق جو من الإحباط والعداوة المستمرة بينك وبين الطفل. لذلك كن واقعيًا، متماسكًا واختر قوانين قليلة ولا تبالغ.
3- القاعدة الثالثة: الروتين والنظام:
على عكس ما هو معروف عن الأطفال من أنهم كائنات فوضوية لا تحب الروتين، فإن الطفل يشعر بالأمان أكثر في صحبة الأشخاص الذين يضعون روتين ويعلمون جيدًا ما يريدون فعله وما يتوقعون من الطفل فعله بالتحديد. ذلك لأن الطفل لا يشعر بتشتت المربي، بل يصله شعور بالثقة مما يتيح للطفل الفرصة لينمو بشكل صحيح وينجح في كل مجالات حياته.
أيضًا المربي الذي يضع روتين، يقلل من أخطاء أطفاله، لأنه يكون محدد وواضح ودقيق فيما يطلب من الطفل، وواقعي أيضًا بشأن الأشياء التي يرجوها من الطفل. حاول أن تُدخل النظام والترتيب إلى بيتك عن طريق المحافظة على روتين ثابت للجميع. حدد أوقات معينة لكل نشاط: للنوم - للأكل - للمذاكرة - لمشاهدة التلفاز- الاستحمام.
لا تسمحي لأحد داخل أو خارج نطاق الأسرة أن يتجاوز في أوقات هذه الأشياء. فبمجرد أن يصبح الروتين أساسًا للمنزل، يمكن بعدها أن تتحلي ببعض المرونة فلا بأس بتأخير موعد النوم في نهاية الاسبوع أو إضافة ساعات إضافية لوقت مشاهدة التلفاز وقت الضرورة أو على سبيل المكافأة. ولكن في بداية الأمر يجب أن لا تتجاوزي، فالروتين يجب أن يكون طريقة حياة وليس بالضرورة أن يتسم بالجمود والتشدد حتى لا يكره الأطفال البيئة المنزلية.
أؤمن بفائدة الروتين بشكل كبير جدًا وخاصة للأطفال الصغار، حيث يساهم في دعم تطورهم بشكل صحي. فلو يعلم الكثير من الآباء والأمهات أن التلاعب بتوقيت وجبات الطعام أو ترك فاصل كبير بينهما من شأنه أن يربك مستويات السكر في الدم، وهذا بدوره يؤثر تأثيرًا مباشرًا على مزاج الطفل وصحته، لعرفوا أهمية الروتين في حياة الطفل.
سيساعدك الروتين في تلبية حاجات طفلك الجسدية في الوقت الملائم فعلى سبيل المثال ستأخذيه إلى الفراش وقت ما يكون مريض وتطعميه في الوقت المناسب. من دون إرساء روتين واضح وصريح للطفل، حيث يمكنه الحصول على أي شىء في أي وقت يريد، يبدأ الطفل في الشعور بعدم الأمان والعصبية، يترجمه في أعمال عنف تعتبرينها أنت إساءة تصرف في حين أن الطفل يحتاج إلى رعاية جسدية. قد يكون جائعًا وقد يكون لا يحصل على القسط المناسب من النوم. لضمان نجاح تربية الأطفال، لا بد من اعتماد الروتين كأسلوب حياة.
4- القاعدة الرابعة: الحدود وتكرار التعليمات
لا تتوقع من طفلك ذا الأربع أعوام أنه لا يمكنه وصف أحد أفراد العائلة ب"الكذاب" ما دمت لم تخبره بذلك مرارًا وتكرارًا. لن يتوقع طفلك السلوك الجيد من تلقاء نفسه، فهو ليس إنسان آلي تمت برمجته ليفعل كل ما هو صواب من تلقاء نفسه. كما أنك لا يجب أن تندهش لأن طفلك كرر الخطأ نفسه مرة ثانية في أقل من اسبوع لأن تنبيه الطفل مرة واحدة لا يكفي لمنع سلوك غير مرغوب فيه.
إن التكرار هو الوسيلة الوحيدة المضمونة والناجحة في مثل هذه الأمور. الأطفال بحاجة دائمة إلى من يذكرهم بوجود حدود معينة لتصرفاتهم يجب ألا يتعدوها، وهذا يتضمن ماهو مقبول وماهو غير مقبول. يجب أن تخبر الطفل مباشرة ماهو متوقع منه وماهو غير متوقع ولا تتخيل أنه سيعرف من تلقاء نفسه. أيضًا ليس من المعقول أن تتخيل أنهم يستجيبون لك من أول أو ثاني أو عاشر مرة. قد يأخذ الأمر مرة أو مرتان على الأكثر وقد يأخذ الأمر مئات المرات، يختلف هذا الشىء باختلاف الطفل، والظروف ، والمربي وما إلي ذلك.
حين يقوم بخلع قبعته، اطلب منه أن يرتديها، حين يقوم بخلع قبعته، اطلب منه أن يرتديها، حين يقوم بخلع قبعته، اطلب منه أن يرتديها، حين يقوم بخلع قبعته، اطلب منه أن يرتديها، حين يقوم بخلع قبعته، اطلب منه أن يرتديها، وحينها سيرتديها ولن يقوم بخلعها مرة أخرى.
بمجرد أن تضعي جدولًا ثابتًا وتقومي بتكرار التعليمات، سواء كانت التعليمات في ذهنك أو مكتوبة على لوحة ملصقة، يجب أن تحدثي الطفل عنه في كل فترة من فترات اليوم. الأطفال الصغار يمتلكون ذاكرة محدودة لا تستمر لفترة طويلة من الزمن ولضمان تحقيق ما تريدين عليك بالتكرار.
5- القاعدة الخامسة: التأديب - الانضباط
(لقد وضعت حدود لطفلي وقائمة بالأشياء المتوقع منه عملها والأشياء التي لا اتوقعها منه، كما قمت بعمل روتين وأشرف على تطبيقه بشكل مناسب، ولكن لا زلت أعاني من المشاكل السلوكية للطفل وعدم انضباطه ولا أشعر أن شيئًا ما تغير ولا أعتقد أن هذه الطريقة نجحت معي- ما السبب؟)
حسنًا، أنت هنا كمن اشترى سيارة فارهة ووضع فيها البترول وقام بغسلها وتنظيفها واستعد للسواقة واكتشف أن ليس معه رخصة قيادة. إن الحدود التي وضعتها لأطفالك لن تطبق بشكلها المطلوب ذاته ما لم تكن هناك عملية تأديب.
يجب أن يعلم أطفالك أنك مسيطر وحازم ولديك الكثير لتفعله في حال ما لم يلتزم أي منهم بواحدة أو أكثر من القواعد أو تعدى أحدهم حد من الحدود. يحدث ذلك باستخدام نبرات الصوت الحازمة مع الصرامة والثبات. كما يمكنك استخدام برنامج مكفآت وعقوبات متفق عليه بشكل مسبق ولكن انتبهي للتطبيق الجيد وليكن مبدأك في الحياة
"I say I do" ولتعلمي أبنائك أنك ما دمت تفوهت بكلمة سوف لن تنسيها أبدًا.
سأخبرك سرًا، يميل الأطفال دائمًا إلى اختبار ذاكرة المربي (الأب - الأم - المعلم - الجد - الجدة)، وما أن يكتشف الطفل أن الشخص صاحب السيطرة كثير النسيان، يفقد دافعيته في الالتزام والانضباط لأنه يعلم أنك تقول ولا تفعل، وتوعد وتخلف، وتتوعد وتخلف فبالتالي لن تنجح أي وسيلة من وسائل التربية مع الطفل.
هناك العديد من الأساليب التي يمكنك اللجوء إليها في حالة احتجت إلى تأديب الطفل ولكن بالطبع لا تشتمل هذه الأساليب على العقاب البدني- على الرغم من أن بعض علماء النفس أجازوا العقاب البدني ولكن بحدود، إلا أنني لا أفضله على الاطلاق لأنه سلاح مدمر لا يمكن أن نصرح به خاصة ونحن لا نعرف شيئًا عن كل حامليه وكيفية استخدامه بالنسبة لهم.
إن الهدف الأساسي من عملية الانضباط والتأديب هو السماح للأطفال بالتعبير عن أنفسهم ضمن حدود السلوك الإجتماعي المقبول، وليس كسر الطفل أو محاولة تحويله إلى شخصية أخرى. فأنت لا تريد أن تنجح في تأديب الطفل وتفشل في تربيته. فالغرض هنا هو النجاح في تربية الطفل تربية سليمة.
6- القاعدة السادسة: التحذير والتنبيه
إذا كان عليك تكرار الحدود أمام الطفل لإرسائها وتعزيز أهمية هذه الحدود في نفس الطفل، فعليك أيضًا تكرار التحذيرات الشفهية والتي تنقسم إلي نوعان: النوع الأول: وهو الذي تقوم فيه بتذكير الطفل بأداء واجباته مثل: تذكيره بموعد الحمام.
أتعلم لماذا يتم إخبارنا على الطريق السريع بوجود الردار؟ ما أهمية ذلك؟ أليس من الأولى أن تكون العلامة التحذيرية مخفية حتى لا يتنبه المخطىْ؟ الغرض هنا هو الحفاظ على روح الشخص حتى لو مخطىء وإعطاءة فرصة لتصحيح هذا الخطأ.
نفس الحال في النوع الثاني من التحذير: وهو التحذير من عواقب الفعل السيء أو الخاطىء، مما يعطي الطفل مجال للتراجع وتصحيح ما فعله دون أن يضطرك للجوء إلى محاولة تأديبه. فالغرض هنا ليس عقاب الطفل ولكن تعليمه أن لهذا الفعل عواقب أنت لا تفضلها وتعليمه الانضباط.
7- القاعدة السابعة: تفسير الاجراءات التأديبية
نحن كبالغين لا نحب أن يسيء أحد معاملتنا فجأة كرد فعل على موقف معين بدون أن نعرف ماهو الموقف. هذا هو الحال مع الأطفال، فعلى سبيل المثال، لا يمكن لطفل ما قبل الخامسة أن يٌدرك بشكل واضح لماذا قمت بعقابه. ولكن يجب أن تخبريه بشكل صريح وبسيط دون أن تعطيه أسباب معقدة. اشرحي له أسباب تأديبك له بشكل يتناسب مع مرحلته العمرية وتأكدي من أنه تلقى رسالتك بشكل واضح ليؤتي التأديب ثماره وتنجح عملية الانضباط.
من الجيد جدًا إعتماد لغة التفسير والتوضيح للطفل. إن تفسيرك للإجراءات التأديبية من شأنه احترام الطفل وتعليمه تحديدًا فيما أخطأ، وتعليمه تحمل عواقب تصرفاته ومسؤولية أفعاله. لا تتوقع أن الطفل يفهم لماذا تعاقبه، ففي أحيان كثيرة لا يستوعب الطفل عملية التأديب، فكل ما عليك هو: التفسير.
8- القاعدة الثامنة: ضبط النفس والحفاظ على الهدوء
قالت لي في مرةإحدى المعلمات في المرحلة الابتدائية "أنا صوتي أعلى من صوتك وطول الوقت بصرخ فيهم ومع ذلك الصف على طول فوضى وإنت صوتك واطي وقادرة تسيطري عليهم". والإجابة هنا تكمن في: ضبط النفس. إذا تمرنت على ضبط النفس باستمرار سترى نتيجة سحرية في تعاملاتك مع الأطفال ومع البشر بشكل عام.
لفتت هذه المعلمة نظري إلى الربط الغير منطقي بين الصراخ وبين السيطرة على الأطفال في الصفوف، وهو المذهب الذي يعتنقه نسبة لا بأس بها من المربين الذين يعتقدون أنهم بذلك ناجحين في السيطرة على الصفوف وعلى الطلاب.
من أدخل في عقول هؤلاء البشر أن الإدارة الصفية تحدث بالصوت العالي؟ المفاجأة هنا أن الصوت العالي المفاجىء الغير مبرر قد يثير غضب الطلاب بشكل أكبر، وربما يثير ضحكهم واستخفافهم بك كمعلم، بينما ضبط النفس يحيط المعلم بهالة من الغموض فلا يتسطيع الطفل أن يتكهن ما يمكن إغاظتك به وهذا يعتبر من أهم عوامل النجاح في الإدارة الصفية.
أغلب الظن سيتسبب غضبك العارم وصوتك العالي في ربكة أكبر للأطفال لأن وقتها سيشعر الطفل أنك فقدت السيطرة ويتولد لديه شعور بعدم الأمان. لا تدع طفل صغير يخرج أسوء ما فيك، ولا تدع الطفل يعلم أنه نجح في ذلك. حين يكون الوالدان مشغولين، فإنهما يميلان إلى التحدث مع الطفل بنرة تفصح عن توترهما، وبدون وعي منهما يعطيان انطباع للطفل أنهم لا يملكون زمام الأمور.
ما دمت تشعر بالهلع أمام الطفل وتتصرف بشكل يوحي بتوترك، فأنت لست سيد الموقف بالنسبة للطفل ومن ثم سيقوم باستغلال الموقف كله بعدة طرق منها العند، نوبات الغضب، عدم الاستجابة السريعة والمماطلة. لذا فإن الحفاظ على الهدوء وضبط النفس من أكثر الأدوات الهامة جدًا والناجحة لكل مربي، مما يعزز لدى الطفل فكرة أنك أنت الذي تملك زمام الأمور.
9- القاعدة التاسعة: المسؤولية
تزيد الحيرة عندما نتحدث عن المسؤولية وينقسم الناس مدارس ومذاهب وفرق. منهم من يرى أن نفسح المجال للطفل ليقوم بإنجازاته الصغيرة لتزداد ثقته بنفسه وفريق أخر يرى أن ترك المسؤولية كاملة للطفل يفقده العديد من المهارات الاجتماعية التي يجب أن يتعلمها من أحد الأبوين وأنها لا تكون فطرية عند أغلب الأطفال بل يكتسبونها ويتعلمونها في مرحلة الطفولة المبكرة من أبويهم.
وأنا أقول أن خير الأمور دائمًا أوسطها، فأنا اتبنى المدرسة الوسط ما بين هذا وذاك. فلا بد أن نٌفسح المجال للأطفال حتى يعيشوا النمو بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتنمو شخصياتهم أيضًا ويشعرون بالثقة في النفس والانجاز.
ولكن لا بد أن نأخذ في عين الاعتبار أن لا تتجاوز توقعاتنا المعقول، وأن لا نوكل إلى الأطفال مهام ومسؤوليات لا تناسب عمرهم حتى لا يحاصرهم الفشل بشكل متكرر. تكرار الفشل خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة أمر شديد الخطورة، لا يعلمهم تحمل المسؤولية ولكن يخبرهم بأنهم لن يكونوا أبدًا قادرين على حمل مسؤوليات وأنهم لن ينجحوا أبدًا. لذلك يجب على المربي الإشراف الكامل على الطفل حتى لو كلفه بمهام يفعلها بمفرده.
10- القاعدة العاشرة: الاسترخاء
أعلم جيدًا أن هذا هو الشىء الوحيدة الذي تفشل أغلب السيدات في الحصول عليه. وأعلم أيضًا أنك ربما تبتسمين الآن وأنت تقولين "استرخاء ايه يا ستي بس أنا مش لاقية وقت أبص في المراية". تأكدي تمامًا أني اشعر بما تشعرين وأعاني منه أيضًا، ولكن لا تمنعني هذه المعاناة من سرد الحقائق ومحاولة تطبيقها.
لا أقصد بالاسترخاء هنا الجلوس على رمال المالديفز وفي يدك "عصير الأناناس"، ولو أنني أتمنى ذلك لي ولك، ولكن أقصد أن لكل فرد في أسرتك الحق بأن يحظى على وقت مميز معك واهتمام متفرد وخاص به وأنت أيضًا لك هذا الحق. فإذا كنت أم/ أب لأكثر من طفل، فيجب أن تضع في جدولك ساعة على الأقل اسبوعيًا لكل طفل على حدة يشعر فيها الطفل بأنه مميز وأن له وقته الخاص معك بدون توتر.
سوف تندهش من نوعية الأحاديث التي سوف تستمع إليها في هذا الوقت. كما أن لزوجتك/زوجك الحق أيضًا في قضاء هذا الوقت. أعلم مرة أخرى أنه صعب في وجود الأطفال، ولكن هناك دائمًا بعض الحلول التي قد تناسب الزوجين لقضاء هذا الوقت المميز معًا والذي يقوم فيه الطرفان بإعادة شحن بطارية الأبوة والأمومة وبطارية الشريك في علاقة عاطفية لتحقيق النجاح في العلاقات وبالتبعية تقوم عملية التربية بشكل ناجح وسليم.
إن فراغ بطارياتنا، خاصة بطارية العلاقات العاطفية، تجعل مننا شركاء ممزقون سريعو الغضب والتوتر. وتدخلنا في مشاكل وصراعات العلاقات العاطفية التي تمر بدورة "الثمانية المجنونة" أو دورات الدراما الأخرى التي لا نهاية لها. تجنب كل ما يجعلك تخرج أسوأ ما فيك في علاقتك مع شريكك، لأن الدائرة مغلقة ونمر فيها بشكل مستمر، فإذا قمت بتحسين علاقتك بشريكك سينعكس على الأطفال ومن ثم يسود الهدوء البيت، فينعكس ذلك على علاقتك بشريكك وهكذا.
في نهاية مقالي أسرد لكِ حقيقة واحدة يجب أن تضعيها نصب عينيك، لا توجد تربية مثالية وتربية غير مثالية، وإنما هناك تربية فعالة وناجحة وتربية لا تجدي نفعًا مهما بذلنا فيها من الجهود. يتوجب علينا دائمًا البحث عن الطرق الصحيحة التي نبذل فيها جهدنا حتى نجني ثمار هذا الجهد ونحقق النجاح.
وعليك أن تعلمي أن "التربية الإيجابية" هي ذات النتائج الإيجابية الناجحة التي تكون ملموسة ومعكوسة على حياة الطفل، وليست شعارات وأفكار خالية من المنطق. إذا خالفت أحد تعليمات التربية الإيجابية، مبادئك أو شعورك تجاه أطفالك، عليك أن تتبعي ما ترينه صحيحًا ومناسبًا لطفلك.


0 تعليقات